الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009

فستان فرصة !!



قبل البدء :
ربما تتساءل ما الذي يدعوني أن أكتب عن فستان في ظل كارثة حصدت أرواحًا ؟!

لكن في الحقيقة أنا أيضًا أتساءل

ما الذي يدعوك للدخول وقراءة هذا الموضوع ؟! ..وبعيدًا عن هذا النص

كيف يُمكنني ويُمكننك أن نمارس البكاء على ضحايا الكارثة في ذات الوقت الذي نمارس فيه الشراء والاحتفال بأعياد ميلادنا و تبادل التحايا في الفضاء الالكتروني والغداء في أحد المطاعم ..والجري من أجل الاستمتاع بآخر لحظات الإجازة ؟!


المهم إليكم قصة فستاني ..دون أن نحرج بعضنا في تساؤلات من النوع الصعب أو السخيف !

في نفس الأثناء التي كانت جدة فيها تغرق ..كنت أتسوق بجهل كبير في دبي ...لم أكن أعلم فداحة ما حصل في جدة وأهلها ..فقد أجرت والدتي بعض الاتصالات علمت منها أن بيتنا سليم ..وأن أسوأ ما حدث في كل هذه الكارثة هو غرق بيت خالتي في حي النخيل !
لم أجزع كثيرًا أو أخاف ..أنا شخص لا يكترث كثيرًا لكل ما هو مادي !
في النهاية هو مجرد منزل وأنا أعلم بأن الله منّ علينا كعائلة بأننا نستطيع تدارك ذلك !

دخلت أحد المحلات المشهورة عالميًا ..ووجدت فستانًا مميزًا بسعر مخفض للغاية ...اشترته أختي بدون تفكير فهو يُعد كما يقولون (فرصة لا يُمكن أن تفوت ) !
عند الكاشير ..اكتشفنا أن الفستان من الأعلى متسخ ..وأن هذه القطعة الأخيرة منه ...ابتسمت للعاملة وقلت لها يجب أن أدفع أقل لأن القطعة ليست سليمة ..قالت لي بابتسامة أعرض بالانجليزية وثقة أكبر : أنت محظوظة أنك اشتريته بهذا السعر ..لا يُمكنني أن أجعله أقل من ذلك !
وطبعًا قمنا بشراؤه بنفس الابتسامة التي ردت بها عليّ العاملة دون إبداء أي رفض ..فهو فرصة !

لو كنت في أمريكا ..لعرضت عليّ البائعة - بدون أن أطلب - تخفيض السعر ..أو على الأقل أبدت اعتذارها وأسفها لذلك مع التأكد باني أرغب بشراؤه أو عدلت عن ذلك !
ما الذي يجعل العاملات هُناك وإدارات المحلات تضع في الحسبان مثل هذا النوع من الخسارة في مبيعاتها إحترامًا للمشتري ؟ ..وما الذي يجعل العاملات هُنا وإدارات المحلات هُنا لا ترضى بذلك ..وليضرب البائع برأسه عرض الحائط فهُناك غيره مشترون كثر
السبب ببساطة : أن أحدهم في أمريكا أبدى غضبه يومًا عند موقف كهذا ..فخسر المتجر مشتري ..وطالب من بعده بنفس العقلية ونفس المنطق ..حتى عرفت إدارة المتجر بأن الأمانة سر لنجاح العمل ورواج البضاعة !

وأن ( أحدهم) هذا مفقود في الدول العربية ..أو موجود بنسبة 1% لا تضر البائع

(ثقافة الرفض) ثقافة غائبة في بلادنا العربية ، لا نُعلن رفضنا عن أي انتهاك لمبادئنا ما دُمنا نعيش بسلام ولا يضرنا ذلك!
من السرقة العلنية البسيطة والطفيفة التي تحصل لنا في مشترواتنا اليومية إلى التجاوزات التربوية أو الأخلاقية التي تحصل في جامعاتنا من تأخير وتهاون في إعطاء الطالب حقه من المحاضرات وانتهاءً بإنتهاكات لأرواح في بلدان إسلامية كثيرة !

لم نتعود كشباب وكجيل صاعد أن نقول (لا) وبقوة أمام كل من ينتهك مبادئنا إن لم تكن الإسلامية فالإنسانية !

ثقافة الرفض التي أتحدث عنها هُنا ..لا تعني المصادمة السياسية ..فأنا شخص يكره السياسة كما يكره مرارة الدواء..ولا أحب الخوض فيها ...ولا تعني الفوضى والشجب والصراخ الذي تعودنا عليه كعرب !

ثقافة الرفض التي أقولها محكومة بأخلاقيات الحوار..وأسس المنطق ..وحس الإنسانية ..وقبل ذلك الأدب النبوي ..ثقافة الرفض التي أريدها لنا ..هي أن نعلن رفضنا للباطل أيّا كان صاحبه - وحتى لو لم يضرنا- بطريقة سلمية هادئة :)

فأنا لم يضرني الإتساخ الذي كان الفستان مصابًا به لذلك قمت بشراؤه ..لكن في الحقيقة أنا بهذه الطريقة أعطيت البائع إشارة خضراء بأن يقوم بالتغرير وإخفاء عيوب السلع على مشترين آخرون من بعدي !

أعرف بأن كثيرون ممن يقرأونني الآن ..تُسوّل لهم أنفسهم بأنني شخص يريد من الشعب التعود على الكلام والدندنة ..وأننا شعب عشنا على الرفض ..وبأنه ما الفائدة أن أقول لا ...إذا لم تكن تلك ( لا) مُجدية ؟!

أقول إن الحقوق لا تُعطى بل تؤخذ ...وأن أي قضية مهما كانت كبيرة تموت إذا لم يكن هناك لها أشخاص يحملونها بأقلامهم وإبداعاتهم ..إذا لم يُعبروّا عنها في مدوناتهم ..وفي حساباتهم على الفيس بوك ..وفي رسائلهم :)

من الفستان إلى كارثة جدة التي أنهكت أرواحًا وخربت بيوتًا
إذا لم يكن لنا صوت نُعبرّ به عن الرفض فلنصلي على مبادئنا صلاة الميت مع ضحايا الكارثة
ولنقرأ عليهم الفاتحة !
على هامش الكارثة :
أنا أرفض ما حدث لكن أنا أرفض التخوين والدعاء على أسماء بعينها
فالكارثة نتاج أخطاء 50عامًا مضت ..والكثير من أبناء جيلي لا يعلم أي الأسماء خان أو سرق فيجب أن نتذكر أننا سنحاسب عن أسماء أشخاص ذكرناها ربما أدّوا الأمانة ونحن قمنا باتهامهم !

هناك تعليق واحد:

  1. لعلّ ثقافة " إني جاعل في الأرض خليفة "
    لم تعُد ياصديقتي تستهوي شعُوبا هدّها السَيل الغُثاء من كل جوانبه!
    هذا ونحنُ نعلم حقًا كيف تكون"الخلافة" فمابالك بمعناها الأعمق والأدقّ !
    ربما أصبح سور الطّاعة العمياء لمنطلقات عدّة كـ يرزقهم اللي رزق قبلهم ويحميهم اللي حمى قبلهم ، كانت نظرية تشطح بخيالات الـ 50 عامًامن عُمر الخطيئة !
    وحتى إن كان في ذيل الفستان شقوق كبيرة لن نراها لأننا أردنا ذلك حقًا؛ وأردنا أن نتفائل !!

    ردحذف