الأحد، 13 ديسمبر 2009

تفاصيل مرتبكة

هاهو عام 1430 يَرحل ، لم يبقى فيه سوى بضع أيام ..تزيد فيها بعثرتي حتى تصل إلى أقصى ما يُمكن من الفوضى ، لا أعلم لماذا أيام آخر العام دومًا صعبة وكأن للبداية مخاض عَسِر علينا أن نعيشه حتى نفرح بها .
أظن لأن الأيام الأخيرة من كل عام تُتقن إستحضار الأسئلة المفتوحة حد الإرباك والخوف والبعثرة .

أخاف هذه المرة من بداية العام:
لأني ما زلت أتذكر تمامًا - وكأنه الأمس- كيف استقبل العالم الاسلامي العاميين الماضيين ؟! ..في الوقت الذي كان علينا فيه أن نفرح ونهرول لأن نضع أوراقًا ملونة على جدران غرفنا ..مُزينة بأهدافنا ..نتفاجأ بفاجعة إنسانية وإسلامية في غزة ..تُصيب أمنيات أول العام بمقتل في صدقها...جوّعوّا أحلامنا وسرقوا قوتها في صبيحة عامنا الجديد !

لا زلت أتذكر أحزان أطفالنا هُناك ..ومواجع فقدهم وجوعهم ...لا زلت أتذكر كيف كان يُصبح الفؤاد فارغًا ليفطر على وجبة باكية من أخبار قناة الجزيرة !
أتساءل في نهاية هذا العام ماذا فعلنا من أجل أن لا نُلدغ من نفس الجحر مرة ثالثة ؟!

أخاف هذه المرة من بداية العام :
لأن قلبي ما زال كما هو ..حاتمي مع الحُزن ..يطول فيه الشتاء وكأنه أحد المدن الكندية ...متقلب في أجوائه وكأنه فتحة تكييف مهترئة تتجمد فتسمعها تلفظ بتعب قطرات ماء رمادية ..ثم تغسلها فتعود لتمارس دورها أيامًا وتعود مجددًا لنفس التجمد !
أتساءل ما الصورة النمطية لرفاه عند الآخرين ؟! ..

هل انا متفائلة وأبث أملاً فيمن حولي أم وجهي يشي بتفاصيل صعبة لا تغني أحلام الآخرين ولا تسمنها من جوع ؟!

أود أن أملك سحر تلك العرابة التي أخرجت لسندريلا الفقيرة فستانًا حققت بها حلمها ..أود أن أصبح كذلك أمسك في يدي عصا سحرية أخرج بها أملاً وعزيمة وإصرارًا ويقينًا يحقق به من حولي أحلامهم !

أود أن أحدّث بنعمتي ربي عليّ ..في كل وقت ولكل شخص
تسألني أيام آخر العام ...منذ زمن وأنت تريدين ذلك
هل تستطيعين ؟!

في مقابل مخاوفي ..هُناك أمل يحبو ..ربما يرتبك لكني أحس به يسير على شوارع قلبي
يذكرني بصوت غزّاوي فلسطيني وبيقين مؤمن راسخ كشجرة ثابت أصلها وفرعها في السماء :
عندما سأله أحدهم أنتم تزغردون عند الشهادة وتتحدثون عنها بإعتياديه لأن ليس أمامكم من خيار سواها في غزة أليس كذلك ؟!
ردّ بغضب

إننا شعب يُحب الحياة وتفاصيل المرح فيها ..كالبحر والنسيم العليل واللعب على الشاطئ...لكننا نختار الشهادة إختيار لأن لنا فيها حياةٌ أخرى

فيتعلم قلبي
بأن في الحياة ما يستحق أن نعيش من أجله ..لنموت من أجله
لنبعث في كنفه ..فندخل الفردوس الأعلى !
وأن الأمة في عام ما ستستيقظ في بدايته على نصرِ عزيز مؤزر !
كل عام واليقين في قلوبكم يكبر ..ويكبر ..ويكبر !

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2009

كَدَش ولحية وعباءة

http://www.youtube.com/watch?v=BVNbRSZ6CbY

أولاد كَدَش ..وآخرون بلحى ..البعض يرتدي بنطالاً أو ثوب طويل ..وآخرون ملتزمون بثياب قصيرة ...نساء متحجبات بطرح ملونة وأخريات يُفضلن الأسود ويخترن غطاء الوجه ...البعض قَبَلي والبعض الآخر مُقيم أو ذا أصول أجنبية ...شاب يحمل ..وشابة تُنظم ..وطفلة تُعبأ أكياس السكر ..وطفل بقلب رجل يتعاون مع آخر ليؤدي مهام الكبار ..شاب لا يتحدث العربية يتلمس مواطن النقص ويستجيب للإشارة ليُقدم ما يملك !
هذه اللوحة الملونة التي يُزينها شباب من كافة الأطياف والأعمار والتوجهات الفكرية يجتمعن لأكثر من أسبوع من أجل هم واحد وهو إغاثة المتضررين من سيول جدة في مركز الحارثي بأرض المعارض ليس لساعة ولا حتى لخمس وإنما لأكثر من عشر ساعات يوميًا !


للمرة الأولى التي أشعر فيها بفلسفة الــ (puzzle) التي أعشقها ، واقعًا أعيشه وتعيشه جدة ...فالكثيرون من الشباب والشابات يذهبن على مشاغلهن ..حتى أن البعض يسترق الوقت ليذهب من بين أكوام أعماله ساعة أو ساعتين رغم علمه بأن العدد ربما كاف هُناك ..لكنه يُصرّ أن يحمل كيس أو كيسان أرز ليضعهما في صندوق فتصل بدفء حميم وأخوة كبيرة للمنكوبين ، تشعر بأن الجميع هُناك صغارًا وكبارًا يهرولون من منطلق الاحساس بالمسئولية وكأن المصاب مصابهم!


ذهبت لمرات قليلة أستحي أن أقارنها بعمل الشباب المداومين هُناك ، وفي كل مرة أعود بفخر كبير وشعور بارد كالكمّادة على قلبي المحموم وفرحة تعانق فؤادي وكأن أحد أحلامي تحقق !


وعلى الرغم من بعض الاحاديث التي سمعتها من المعارضين للاختلاط ، وعلى الرغم أن بعض ممن عملوا وقد كنت منهم استأت للحظات من بعض التجاوزات ، إلاّ أني أتساءل وأدعكم تتساءلون معي :
لو توقف النساء عن العمل في أرض المعارض هل سيتوقف الشباب ؟!


هل كان شبابنا ينتظر كارثة جدة من أجل أن يعمل مع فتاة ويسعد بذلك ؟!

هل يستحق الأمر من شبابنا كل هذا العناء من حمل الصناديق إلى النزول في مواقع الكارثة حتى يلتقي بفتاة ويوطد معها العلاقة ؟!

هل أرض الحارثي هو المكان الأمثل والأسهل لبناء علاقة في عالم منفتح وجيل قوي يملك قراره ؟!

لا أتوقع أن أي من الأسئلة السابقة ، يُمكننا أن نُجيب عنه بـ (نعم) ، لذلك أقول لكل من تُسوّل له نفسه بالتشكيك بنيات شبابنا ، وأقول لنفسي التي تحاول إفساد فرحتي بخيرية أولاد جدة :

لا تضيّعوا على أنفسكم فرصة الاحتفال بــخيرية الــ90% وتركزوا على أخطاء الــ10% !

يا أهل جدة ..حقًا أنتم أهل الرخاء والشدة !
أفخر بأن في الأمة أمثالكم :)


الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009

فستان فرصة !!



قبل البدء :
ربما تتساءل ما الذي يدعوني أن أكتب عن فستان في ظل كارثة حصدت أرواحًا ؟!

لكن في الحقيقة أنا أيضًا أتساءل

ما الذي يدعوك للدخول وقراءة هذا الموضوع ؟! ..وبعيدًا عن هذا النص

كيف يُمكنني ويُمكننك أن نمارس البكاء على ضحايا الكارثة في ذات الوقت الذي نمارس فيه الشراء والاحتفال بأعياد ميلادنا و تبادل التحايا في الفضاء الالكتروني والغداء في أحد المطاعم ..والجري من أجل الاستمتاع بآخر لحظات الإجازة ؟!


المهم إليكم قصة فستاني ..دون أن نحرج بعضنا في تساؤلات من النوع الصعب أو السخيف !

في نفس الأثناء التي كانت جدة فيها تغرق ..كنت أتسوق بجهل كبير في دبي ...لم أكن أعلم فداحة ما حصل في جدة وأهلها ..فقد أجرت والدتي بعض الاتصالات علمت منها أن بيتنا سليم ..وأن أسوأ ما حدث في كل هذه الكارثة هو غرق بيت خالتي في حي النخيل !
لم أجزع كثيرًا أو أخاف ..أنا شخص لا يكترث كثيرًا لكل ما هو مادي !
في النهاية هو مجرد منزل وأنا أعلم بأن الله منّ علينا كعائلة بأننا نستطيع تدارك ذلك !

دخلت أحد المحلات المشهورة عالميًا ..ووجدت فستانًا مميزًا بسعر مخفض للغاية ...اشترته أختي بدون تفكير فهو يُعد كما يقولون (فرصة لا يُمكن أن تفوت ) !
عند الكاشير ..اكتشفنا أن الفستان من الأعلى متسخ ..وأن هذه القطعة الأخيرة منه ...ابتسمت للعاملة وقلت لها يجب أن أدفع أقل لأن القطعة ليست سليمة ..قالت لي بابتسامة أعرض بالانجليزية وثقة أكبر : أنت محظوظة أنك اشتريته بهذا السعر ..لا يُمكنني أن أجعله أقل من ذلك !
وطبعًا قمنا بشراؤه بنفس الابتسامة التي ردت بها عليّ العاملة دون إبداء أي رفض ..فهو فرصة !

لو كنت في أمريكا ..لعرضت عليّ البائعة - بدون أن أطلب - تخفيض السعر ..أو على الأقل أبدت اعتذارها وأسفها لذلك مع التأكد باني أرغب بشراؤه أو عدلت عن ذلك !
ما الذي يجعل العاملات هُناك وإدارات المحلات تضع في الحسبان مثل هذا النوع من الخسارة في مبيعاتها إحترامًا للمشتري ؟ ..وما الذي يجعل العاملات هُنا وإدارات المحلات هُنا لا ترضى بذلك ..وليضرب البائع برأسه عرض الحائط فهُناك غيره مشترون كثر
السبب ببساطة : أن أحدهم في أمريكا أبدى غضبه يومًا عند موقف كهذا ..فخسر المتجر مشتري ..وطالب من بعده بنفس العقلية ونفس المنطق ..حتى عرفت إدارة المتجر بأن الأمانة سر لنجاح العمل ورواج البضاعة !

وأن ( أحدهم) هذا مفقود في الدول العربية ..أو موجود بنسبة 1% لا تضر البائع

(ثقافة الرفض) ثقافة غائبة في بلادنا العربية ، لا نُعلن رفضنا عن أي انتهاك لمبادئنا ما دُمنا نعيش بسلام ولا يضرنا ذلك!
من السرقة العلنية البسيطة والطفيفة التي تحصل لنا في مشترواتنا اليومية إلى التجاوزات التربوية أو الأخلاقية التي تحصل في جامعاتنا من تأخير وتهاون في إعطاء الطالب حقه من المحاضرات وانتهاءً بإنتهاكات لأرواح في بلدان إسلامية كثيرة !

لم نتعود كشباب وكجيل صاعد أن نقول (لا) وبقوة أمام كل من ينتهك مبادئنا إن لم تكن الإسلامية فالإنسانية !

ثقافة الرفض التي أتحدث عنها هُنا ..لا تعني المصادمة السياسية ..فأنا شخص يكره السياسة كما يكره مرارة الدواء..ولا أحب الخوض فيها ...ولا تعني الفوضى والشجب والصراخ الذي تعودنا عليه كعرب !

ثقافة الرفض التي أقولها محكومة بأخلاقيات الحوار..وأسس المنطق ..وحس الإنسانية ..وقبل ذلك الأدب النبوي ..ثقافة الرفض التي أريدها لنا ..هي أن نعلن رفضنا للباطل أيّا كان صاحبه - وحتى لو لم يضرنا- بطريقة سلمية هادئة :)

فأنا لم يضرني الإتساخ الذي كان الفستان مصابًا به لذلك قمت بشراؤه ..لكن في الحقيقة أنا بهذه الطريقة أعطيت البائع إشارة خضراء بأن يقوم بالتغرير وإخفاء عيوب السلع على مشترين آخرون من بعدي !

أعرف بأن كثيرون ممن يقرأونني الآن ..تُسوّل لهم أنفسهم بأنني شخص يريد من الشعب التعود على الكلام والدندنة ..وأننا شعب عشنا على الرفض ..وبأنه ما الفائدة أن أقول لا ...إذا لم تكن تلك ( لا) مُجدية ؟!

أقول إن الحقوق لا تُعطى بل تؤخذ ...وأن أي قضية مهما كانت كبيرة تموت إذا لم يكن هناك لها أشخاص يحملونها بأقلامهم وإبداعاتهم ..إذا لم يُعبروّا عنها في مدوناتهم ..وفي حساباتهم على الفيس بوك ..وفي رسائلهم :)

من الفستان إلى كارثة جدة التي أنهكت أرواحًا وخربت بيوتًا
إذا لم يكن لنا صوت نُعبرّ به عن الرفض فلنصلي على مبادئنا صلاة الميت مع ضحايا الكارثة
ولنقرأ عليهم الفاتحة !
على هامش الكارثة :
أنا أرفض ما حدث لكن أنا أرفض التخوين والدعاء على أسماء بعينها
فالكارثة نتاج أخطاء 50عامًا مضت ..والكثير من أبناء جيلي لا يعلم أي الأسماء خان أو سرق فيجب أن نتذكر أننا سنحاسب عن أسماء أشخاص ذكرناها ربما أدّوا الأمانة ونحن قمنا باتهامهم !